تشير الأبحاث الوطنية والإحصاءات الرسمية إلى أن الصحة النفسية في
المغرب تمثل تحديًا وطنيًا كبيرًا، يتطلب تعزيز البنية التحتية، و الأطر
البشرية، ومكافحة الوصم المجتمعي والبنية القانونية القائمة.
1-
مدى
انتشار الاضطرابات النفسية
- وفقًا للمجلس الاقتصادي الاجتماعي والبيئي
(CESE)، فإن 48.9% من المغاربة (15 سنة فأكثر) عانوا أو يعانون
من اضطرابات نفسية في حياتهم.
- 26% من هذه الحالات مرتبطة بالاكتئاب، 9% بالقلق، 5–6% بالاضطرابات الذهانية، و1% بالفصام
- دراسة وطنية شملت 5,498 شخصًا بينت أن 40.1% لديهم اضطراب نفسي حالي، مع انتشار الاكتئاب البالغ 26.5% والقلق بـ 37%
2-
الصحة
النفسية لدى المراهقين والشباب
- دراسة على طلاب المدارس أظهرت أن 44.7% يعانون من أعراض اكتئابية شديدة، مع ارتفاع
معدلات الأرق والضغط النفسي.
- بحث وطني كشف أن 23.3% من المراهقين عرضة لضغط نفسي خلال العام، مع
عوامل مرتبطة بالجنس (البنات أكثر من الذكور)، العنف المدرسي، والوضع الاجتماعي الاقتصادي.
- طلاب الطب يعانون من معدلات إرهاق نفسي
(burnout) مرتفعة جدًا، حيث بينت دراسة في كلية الطب
بالرباط أن 93% يشعرون بالإرهاق، و68% بتبعات نفسية مثل الانفصال والتعب.
3-
موارد
المنظومة والإطار المؤسسي
- عدد الأطباء النفسيين في المغرب لا يتجاوز يتراوح بين 343 إلى
454 طبيبًا (بسجل عام وقطاع خاص)، مما يكافئ تقريبًا طبيبًا نفسيًا
واحدًا لكل 100,000 نسمة
- بالمقابل، يشير الموقع الرسمي لوزارة الصحة إلى وجود 319 طبيبًا نفسيًا في القطاع العام، و294
بالقطاع الخاص، و62 للأطفال، بالإضافة إلى
نحو 17,000 ممرض
نفسي .
- السعة الاستشفائية النفسية في المستشفيات العمومية والخاصة تبلغ
تقريبًا 2,260–2,330 سريرًا، على الرغم من حاجة البلاد إلى التوسعة،
خاصة في مناطق مثل أكادير والقنيطرة وبني ملال .
- تُخصص نحو 2–3% فقط من ميزانية الصحة الوطنية للصحة النفسية
(ظلت كما هي منذ عدة سنوات) .
4-
التحديات
البنيوية والمجتمعية
- وصم نفسي قوي في المجتمع
المغربي؛ لا يزال مريض الاكتئاب أو القلق يُنظر إليه على أنه
"مجنون" أو "ضعيف"، مما يثني الكثيرين عن طلب المساعدة.
- نقص التغطية الجغرافية: أكثر من نصف المحافظات بلا تغطية نفسية متخصصة، بينما تتركز
الخدمات في المدن الكبرى.
- قلة الأطباء النفسيين للأطفال وكبار السن: فقط 32 طبيب للأطفال في أماكن مثل الدار
البيضاء، ومؤسسة وحيدة مخصصة لكبار السن في سلا بـ 12 سريرًا.
- ظروف العمل الصعبة والأجور المتدنية في
القطاع العمومي تمنع الخريجين من التخصص في الطب النفسي.
- إطار قانوني بحاجة لتحديث: مشروع قانون رقم 71-13 المتعلق بحقوق المرضى النفسيين تم سحبه
دون توضيح، ويُنادي بإعادة طرحه وتفعيله.
5-
خطط
الإصلاح والمبادرات
- وزارة الصحة تطلق "الخطة الاستراتيجية متعددة القطاعات
للصحة النفسية 2023–2030" بالشراكة مع الوكالة الفرنسية للتنمية ومنظمة
الصحة العالمية.
- منذ 2022: تم إطلاق برامج لتدريب طبيب اختصاصي نفسي لكل سنة
اثنين للأطفال، و30 طبيبًا نفسيًا عامًا سنوياً،
إضافة إلى 185 ممرضًا.
- إنشاء 3 مراكز نفسية جديدة بسعة 120
سريرًا في أكادير والقنيطرة وبني ملال، مع إدماج الخدمة النفسية ضمن
المستشفيات العامة والمراكز الصحية الأولية.
- خلال جائحة كوفيد-19: تم إطلاق مبادرات (الاستشارات عن بعد، خطوط
مساعدة، وحدات دعم عبر الهاتف/واتساب، ووحدات متنقلة) عبر جمعيات ونقابات
طبية لمواجهة نقص الأطر وسوء الوصم.
6-
أثر الجائحة والظروف
الاجتماعية
- خلال كوفيد-19، واجه 41% من الأسر مشاعر خوف، 30%
شعور بالاختناق، 24% اضطراب نوم، و8% اضطرابات نفسية عامة.
- بين المهنيين الصحّيين، أظهرت دراسة وطنية أن 33% عانوا
من اكتئاب، و29% من قلق، و21.7% من اضطراب ما بعد الصدمة.
- الأزمات الاقتصادية تُفاقم الضغوط النفسية، خاصة بين الفئات
الهشة والمهمشة.
7-
توصيات
مستقبلية
- تطوير وتفعيل القانون رقم 71-13 لحماية
حقوق المرضى النفسيين.
- الرفع من الميزانية المتخصصة للصحة
النفسية إلى المستوى الأمثل ≥ 5 % من إجمالي ميزانية الصحة.
- تحسين حوافز الأطر الطبية (أجور، بيئة عمل) خاصة في القطاع العمومي.
- تعزيز التغطية عبر المناطق،
خاصة في القرى والأقاليم من خلال وحدات متنقلة وخطط إقليمية.
- حملات مكثفة لمحاربة الوصم وزيادة
الوعي في التعليم والإعلام.
- استمرار تطوير الخدمات عن بعد كخيار
رئيسي في المناطق النائية.
- دعوة للمزيد من الدراسات المستمرة
لكشف المعطيات المستجدة، وتقييم مدى فاعلية البرامج الجارية.
ختاما:
الصحة النفسية في المغرب تشكل تحديًا متعدد الأبعاد: انتشار مرتفع، نقص في الموارد البشرية والمادية، وصم اجتماعي قوي، وثغرات
قانونية. مع ذلك، هناك خطة استراتيجية وطنية
طموحة (2023–2030)، وإن كانت تطلب متابعة
دقيقة لتعزيز الفاعلية والانتشار. يبقى الاستثمار البشري، المالي، ورفع مستوى
الوعي المجتمعي، مفتاحًا لتحويل هذا القطاع إلى إحدى ركائز الصحة الشاملة.