إخوان الصفا: مشروع للتوفيق بين الفلسفة والدين وإصلاح الإنسان والمجتمع. بقلم الأستاذ: حسن الدويب - النهج

2025-06-25

إخوان الصفا: مشروع للتوفيق بين الفلسفة والدين وإصلاح الإنسان والمجتمع. بقلم الأستاذ: حسن الدويب

رسمة تراثية تمثل إخوان الصفا (موسوعة الفلسفة الإسلامية)

  ظهر في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) كيان فكري سري فريد عرف بجماعة "إخوان الصفا وخلّان الوفا"، تشكّل في البصرة بالعراق. ولم يُعرف أعضاؤها يقينًا، غير أن كتاباتهم تشير إلى تكوينهم من علماء وفلاسفة تبنّوا رؤية موسوعية تستهدف التوفيق بين الدين الإسلامي والفكر الفلسفي اليوناني.


أولًا: الخصائص العامة لجماعة إخوان الصفا

-  السرية: كانت الجماعة تعمل في سرية تامة، لم تُفصح عن أعضائها، مما يعكس خشيتهم من الملاحقة الفكرية والسياسية في عصرهم.
- النزعة الموسوعية: ألّفوا 52 رسالة تغطي ميادين معرفية متعددة، من الرياضيات والمنطق إلى الأخلاق والتصوف واللاهوت.
- البعد الباطني: حملت كتاباتهم طابعًا باطنيًا رمزيًا، يعتقد بوجود معانٍ ظاهرة وأخرى خفية للنصوص، وهو ما يقتضي التأويل لا الفهم الحرفي فقط.
- التوفيق بين الفلسفة والدين: هدفهم الأسمى كان التوليف بين الحكمة العقلية اليونانية وتعاليم الإسلام، مما أفرز نموذجًا فريدًا في الفكر الفلسفي الإسلامي.


ثانيًا: المضامين الفكرية والدروس المستخلصة من رسائلهم

وحدة المعرفة وتكاملها: أكد إخوان الصفا على أن كل العلوم مترابطة، وأن الحق واحد وإن تعددت السبل إلى إدراكه.

2. أهمية العقل والتأمل: العقل، عندهم، هو الأداة الأولى لفهم الشريعة والكون، ودعوا إلى التأمل في النفس والعالم لفهم الحقيقة.
3. الأخلاق والتصوف: دعوا إلى تزكية النفس، والتخلّق بالفضائل، واعتبروا أن هدف المعرفة هو السعادة الروحية.
4. التعاون والوحدة الإنسانية: رفضوا العصبيات، ونادوا بالوحدة والتضامن والتعارف بين البشر.
5. طلب العلم والتعلّم مدى الحياة: اعتبروا الجهل سببًا رئيسيًا لتدهور المجتمعات، وشجعوا على التعلم الدائم.
6. الرمزية والتأويل: استعملوا الرمز والأسطورة والتمثيل، واعتبروا أن الوصول إلى الحقيقة يتطلب التأويل.
7. نقد الجهل والتعصب: هاجموا التعصب الديني والمذهبي، ودعوا إلى التسامح وقبول الآخر.


ثالثًا: أثر رسائلهم في الفكر الإسلامي

رغم ما واجهوه من انتقادات، خاصة من بعض الفقهاء وعلماء الكلام، إلا أن أثرهم كان واسعًا، خصوصًا في الفلسفة والإسماعيلية والتصوف. وقد استفاد منهم لاحقًا فلاسفة مسلمون مثل السهروردي وابن ميمون وحتى مفكرون غربيون.


الخاتمة

إن مشروع إخوان الصفا يشكل حلقة مفصلية في تاريخ الفكر الإسلامي، حيث سعوا إلى بناء رؤية شمولية تجمع بين العقل والإيمان، وبين الظاهر والباطن، وبين الفلسفة والشريعة. ورغم الطابع الرمزي والباطني في كتاباتهم، فإن رسائلهم تحمل رؤى إصلاحية وتربوية وإنسانية عميقة لا تزال صالحة للاستلهام في عصرنا.

 

1 تعليق:

avatar

مقال ممتاز.. وفقك الله لكل خير

رد

728x90