الصراع الإيراني – الإسرائيلي: من حرب الظل إلى مواجهة مكشوفة في قلب الجغرافيا السياسية الجديدة بقلم الأستاذ أيوب الهسكوري - النهج
728x90

2025-06-25

الصراع الإيراني – الإسرائيلي: من حرب الظل إلى مواجهة مكشوفة في قلب الجغرافيا السياسية الجديدة بقلم الأستاذ أيوب الهسكوري

 


بعد عقود من الحروب بالوكالة، والتصعيدات المحدودة، وعمليات الاغتيال والصراع الاستخباراتي، يشهد الشرق الأوسط اليوم تحولًا استراتيجيًا خطيرًا يتمثل في الانتقال من حرب الظل بين إيران وإسرائيل إلى مواجهة مباشرة وغير مسبوقة. هذه الحرب لا تجري فقط على الأرض، بل على محاور عدة: نووية، تكنولوجية، استخباراتية، ونفسية، وهي تشكّل منعطفًا تاريخيًا في بنية الأمن الإقليمي والدولي.

هذا المقال يقدّم تحليلًا معمّقًا للصراع الراهن من حيث الدوافع، السياقات، التوازنات، التدخلات الدولية، والمآلات المستقبلية، ويهدف إلى رسم صورة تحليلية دقيقة لهذا التحول الجيوسياسي المفصلي.

 

أولاً: خلفية استراتيجية لصراع طويل الأمد

يُعتبر الصراع الإيراني–الإسرائيلي واحدًا من أكثر النزاعات تركيبًا في السياسة الدولية. فهو ليس فقط صراعًا إقليميًا على النفوذ، بل صراع بين رؤيتين متناقضتين للمنطقة: إيران تسعى إلى تثبيت مشروع "محور المقاومة"، في مقابل مشروع إسرائيلي قائم على الهيمنة الردعية والأمن الاستباقي.

لقد اتسمت العقود السابقة بـ:

  • - حروب وكالة عبر حزب الله، حماس، والميليشيات الشيعية في العراق وسوريا.
  • - اغتيالات استراتيجية لعلماء ومسؤولين إيرانيين.
  • - هجمات سيبرانية متبادلة  وغيرها.
  • - قصف محدود لمواقع نووية أو عسكرية في سوريا والعراق واليمن.

لكن، منذ أبريل 2024، انقلب ميزان الردع إلى حرب مباشرة، بدأت باغتيالات إسرائيلية في دمشق وردود إيرانية على أهداف استراتيجية داخل الأراضي الإسرائيلية، وبلغت ذروتها في مايو–يونيو 2025 بهجمات متبادلة واسعة النطاق.

 

ثانيًا: دوافع الطرفين في اللجوء إلى التصعيد المباشر

  •  دوافع إسرائيل:

  1. - إجهاض البرنامج النووي الإيراني: تعد إسرائيل اقتراب إيران من امتلاك قدرة تسليحية نووية تهديدًا وجوديًا. المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية تُشير إلى أن إيران باتت على بعد أسابيع من تخصيب اليورانيوم بنسبة 90%، وهي "العتبة الحرجة" للتسليح.
  2. - فرض قواعد اشتباك جديدة: تعتقد تل أبيب أن الردع التقليدي فشل، وتسعى اليوم إلى تغيير المعادلة بالكامل من خلال استهداف مراكز القيادة والعلماء والبنى التحتية النووية الإيرانية.
  3. - تعزيز شرعية الحكومة داخليًا: الحكومة اليمينية بقيادة [اسم رئيس الوزراء] تمر بمرحلة حرجة داخليًا، وتراهن على التصعيد لترسيخ تماسك الجبهة الداخلية وإظهار القوة أمام المجتمع الدولي.

  • دوافع إيران:

  1. - ردع إسرائيل واستعادة المبادرة: ترى طهران أن استمرار الانتهاكات الإسرائيلية لسيادتها دون ردّ حاسم سيؤدي إلى تآكل مصداقيتها الإقليمية والدولية.
  2. - توحيد الجبهة الداخلية الإيرانية: في ظل احتجاجات اجتماعية واقتصادية مستمرة، تسعى القيادة الإيرانية إلى إعادة توجيه الرأي العام نحو "العدو الخارجي".
  3. - إعادة تموضع إقليمي: تعتبر طهران أن مواجهة مفتوحة مع إسرائيل (ولو جزئيًا) قد تعيد تشكيل خرائط التحالفات الإقليمية، خصوصًا مع انشغال الولايات المتحدة في آسيا وأوروبا.


ثالثًا: التوازنات الإقليمية والدولية

الولايات المتحدة:
تدخلت مباشرة لضرب منشآت نووية إيرانية في أصفهان ونتانز (يونيو 2025)، لكنها تحاول إبقاء الحرب تحت سقف السيطرة.
تدير واشنطن مفاوضات مكثفة عبر قطر وسلطنة عمان لتثبيت وقف إطلاق النار، لكنها لا تمانع في استنزاف إيران عسكريًا ضمن حدود مدروسة.

روسيا والصين:

  • روسيا تراقب الصراع من زاوية مصالحها في سوريا، وتستثمر في الفوضى الإقليمية لتخفيف الضغط الغربي عنها.
  • الصين، بصفتها شريكًا اقتصاديًا لإيران ومشتريًا رئيسيًا للنفط، تضغط من أجل التهدئة حفاظًا على استقرار سوق الطاقة وممرات التجارة العالمية.

الدول العربية:

  • معظم دول الخليج تتبنى موقفًا حذرًا، مع وجود تباين واضح بين الموقف السعودي (براغماتي) والقطري (دبلوماسي نشط).
  • لبنان وسوريا يتحولان إلى ساحات مرشّحة للتصعيد، خاصة مع تحرك حزب الله، مما يُهدد بفتح جبهات متعددة.

 

رابعًا: ملامح الحرب الجديدة

الحرب الحالية لا تُدار فقط بالدبابات والطائرات، بل عبر أدوات حديثة ومعقدة:

  • حرب اغتيالات علمية: استهداف ممنهج لعقول البرنامج النووي الإيراني (أكثر من 14 عالمًا خلال شهر واحد).
  • الضربات السيبرانية: تعطيل أنظمة الإنذار النووي، مهاجمة المنشآت الصناعية، وشبكات الاتصالات العسكرية.
  • المسيّرات الذكية: استخدام موسع لطائرات بدون طيار هجومية وانتحارية، بعضها تم إطلاقه من دول ثالثة أو مياه دولية.
  • المناورات الإعلامية: تضخيم الهجمات، تسريب معلومات استخباراتية مضللة، وخوض معركة على جبهة الوعي الجماهيري.

 

خامسًا: السيناريوهات المستقبلية

السيناريو الأول: تهدئة مشروطة

هدنة بوساطة أمريكية–خليجية، مقابل ضمانات بعدم استهداف علماء أو منشآت نووية مجددًا. هذا السيناريو مرهون بمدى قدرة واشنطن على كبح إسرائيل، وإقناع طهران بمكاسب سياسية.

الاحتمال: 40%

السيناريو الثاني: استمرار التصعيد المحدود

عمليات انتقائية، ضربات محدودة، وعودة إلى سياسة "المعركة بين الحروب" مع سقف ردع مضبوط.

الاحتمال: 50%

السيناريو الثالث: اندلاع حرب إقليمية شاملة

انخراط حزب الله، الحوثيين، وربما اشتباكات في مضيق هرمز. هذا السيناريو كارثي، لكنه لا يُستبعد إذا تم استهداف شخصيات رفيعة جدًا أو منشآت حساسة.

الاحتمال: 10%

 

خاتمة

ما نشهده اليوم ليس مجرد تصعيد عسكري، بل إعادة تشكيل جيوسياسية للمنطقة. إيران وإسرائيل تخوضان مواجهة ستترك آثارًا استراتيجية عميقة، سواء انتهت بوقف إطلاق نار أو بانفجار إقليمي شامل. تَوقّع صراعًا طويلًا، متداخل الأدوات، يتجاوز المنظور العسكري التقليدي، ويعيد طرح السؤال القديم الجديد: من يحكم الشرق الأوسط في العقد القادم؟

728x90