في شمال المغرب، حيث تلتقي الطبيعة الخلابة
بعراقة التاريخ، تقع قرية تارغة، إحدى أجمل الحواضر الساحلية المتناثرة بين
جبال الريف وساحل البحر الأبيض المتوسط. قرية هادئة، تمتاز بشاطئها النقي ومياهها المنعشة،
تجذب في صيف كل عام مئات العائلات المغربية الهاربة من ضوضاء المدن، بحثاً عن الصفاء
والراحة. لكن ما يثير الحزن، ويستدعي القلق، هو حال المآثر التاريخية العتيقة بهذه
القرية، التي تعاني اليوم من إهمال، يهدد بإتلاف ما تبقى من ذاكرتها الجماعية
وحضارتها المتجذرة.
إرث موحدي مهدد بالإندثار
من بين أقدم معالم تارغة، يبرز المسجد
التاريخي الذي يعود إلى العصر الموحدي، وهو تحفة معمارية توحي بعظمة المكان وقيمته
الدينية والثقافية. كذلك نجد برج الحراسة الدفاعي الذي شُيِّد في العهد السعدي،
والمطل على البحر، والذي كان جزءاً من شبكة المراقبة البحرية التي حمَت البلاد من الغزو
الأوروبي. إلا أن هذه المواقع، اليوم، تقف منهارة أو مهددة بالانهيار، محاطة بالبنايات
الإسمنتية العشوائية، بلا لافتات، بلا حماية، ولا حتى إشارات تدل على قيمتها.
الأسباب متعددة.. ولكن النتيجة واحدة
تكمن خلف هذا الوضع جملة من الأسباب:
- غياب رؤية تراثية واضحة لدى الجماعات
المحلية.
- ضعف التنسيق بين وزارة الثقافة، الجماعات
الترابية، والمجتمع المدني.
- الضغط العمراني الموسمي، خاصة في فصل
الصيف، الذي يهدد محيط المآثر.
- غياب دور المؤسسات الأكاديمية في التوثيق
والبحث والتنقيب.
نحو إستراتيجية إنقاذ واقعية
للخروج
من هذا الوضع، لا بد من الانتقال من منطق "رد الفعل" إلى منطق "الاستباق
والتخطيط"، عبر:
1- تصنيف المواقع رسمياً ضمن لائحة التراث
الوطني والعالمي، بالتعاون مع اليونسكو، ما يمنحها حماية قانونية ومالية.
2- إطلاق مشاريع ترميم علمية، بإشراف خبراء
في الهندسة المعمارية الإسلامية والموحدية، مع إشراك ساكنة القرية في عمليات الصيانة
البسيطة.
3- تحويل بعض المآثر إلى فضاءات ثقافية
نشطة (مثل مكتبة، متحف صغير..)، ما يدمج التراث في الحياة اليومية.
4- تحفيز السياحة الثقافية، بتنظيم زيارات
مدرسية، ندوات دولية، معارض صور، ومسارات سياحية تجمع بين البحر والتاريخ.
5- إصدار دليل تراثي رقمي حول تارغة، يُترجم
إلى لغات أجنبية، ويُدرج في تطبيقات الخرائط العالمية (Google Maps، TripAdvisor…).
السياحة المستدامة: الحل المنسي
بمجرد ترميم وتأهيل المآثر التاريخية، ستتحول
تارغة من مجرد وجهة موسمية إلى مركز جذب ثقافي وسياحي على مدار السنة. الزائر الأجنبي
لا يبحث فقط عن البحر، بل عن الهوية، والخصوصية، والذاكرة. وإذا استطاعت تارغة أن تسوق
لتاريخها كما تفعل مدن مثل شفشاون وفاس، فإنها ستصبح من أبرز النقاط على خريطة السياحة
المستدامة بالمغرب.
الخاتمة
إنقــاذ تراث تارغة ليس ترفاً، بل هو ضرورة
حضارية وأخلاقية. التاريخ حين يُهمل، لا يُعاقب فقط بالحزن، بل يفقد قدرته على تشكيل
المستقبل. فلنعد لتارغة اعتبارها، ونمنح لأطفالها حقهم في معرفة من أين أتوا، وإلى
أين يمكن أن يذهبوا.