القضية الفلسطينية. بقلم الأستاذ: أيوب الهسكوري. - النهج
728x90

2025-06-24

القضية الفلسطينية. بقلم الأستاذ: أيوب الهسكوري.


اعلم – بارك الله فيك – أن المسجد الأقصى له مكانة شامخة في الإسلام، فهو أولى القبلتين، فقد صلى المسلمون إليه نحو سبعة عشر شهرا قبل أن تتحول قبلة المسلمين إلى الكعبة، كما لا يخفى على شريف علم القراء.



وهذا له أكثر من دلالة: فالتحول الذي طرأ على القبلة ليس تحول أفضلية لمكان على مكان، إنما هو لربط السابق باللاحق، والمطلق بالنسبي، والجزئي بالكلي.. بمعنى أوضح: أن علاقة الكعبة بالمسجد الأقصى هي علاقة وطيدة منسجمة أزلية، يمثلان دلالة على انسجام روح الأمة وجسدها.. فكما خلقت الروح قبل الجسد.. كان وجود الكعبة قبل المسجد الأقصى كما جاء في صحيح مسلم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: << قلت: يا رسول الله.. أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام. قلت: ثم أي: قال المسجد الأقصى. قلت: كم بينهما؟ قال أربعون سنة >> حديث رقم: 520

والأربعون سنة المذكورة هنا لها سر عجيب.. وهو أن آدم – كما جاء في الأخبار – بقي صلصالًا كالفخار أربعين سنة، ثم نفخ الله فيه الروح فسَرَتْ في جسمه.. فافهم عن ربك.

ثم نجد أغلب الروايات تقول بأن الله تعالى بنى الكعبة، وأوكل مهمة بناء المسجد الأقصى إلى سيدنا آدم عليه السلام…

لهذا تولى الله حماية المسجد الحرام، وأوكل حماية المسجد الأقصى للمؤمنين لذلك أقول: المسجد الحرام يمثل بقاء الأمة، أما المسجد الأقصى فهو يمثل وجود الأمة في البقاء ضد الفناء.. أما الوجود فهو مشروع إرادي قائم على الفكر والفعل، الدين والحضارة..

إذا فرمزية علاقة المسجد الحرام بالمسجد الأقصى تعني علاقة روح الأمة بجسدها.. وأضيف: أنها تعني العلاقة المنسجمة والمترابطة بين الدين والحضارة في أمة الإسلام.

فمتى رأيت أن المسجد الأقصى والمسجد الحرام ترفرف فوقهما راية الإسلام الوارفة الظلال.. يسود فيهما العدل والحق.. تجتمع تحت سدته مختلف الأطياف والأديان والأجناس..  فاعلم أن المسلمين ارتبطوا بدينهم وبنوا حضارتهم.. ومتى رأيت عكس ذلك فاعلم أنه وقع عكس ذلك..

وما معجزة الإسراء إلا تتويج لهذا المعنى، بحيث أن الله سبحانه ذكر أكثر من رمزية في طليعة سورة الإسراء تعزز هذا الطرح، قال سبحانه: ﴿ سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ ﴾ الإسراء: 1

فهذه الآية تجمع بين حقيقة المسجدين ودلالتهما، كما تبين سر الجمع بينهما بتحقيق العبودية لله تعالى.. ولعلنا سنعود قريبا في عدد لاحق لبسط هذه الآية ونقف على أسرارها العجيبة.

ما هو واجبنا نحو المسجد الأقصى؟

نصرة المسجد الأقصى ليس فقط مسؤولية الفلسطينيين أو الحكام أو القادة أو جهة معينة.. بل هو مسؤولية أمة.. فهو له حق على كل مسلم على وجه الأرض.. لكن كيف ذلك؟

لا تظن أن نصرة المسجد الأقصى تتوقف على الخطابات الحماسية البراقة.. أو بتدوينة باردة على شبكة التواصل الاجتماعي.. أو حتى بالخروج في المظاهرات ورفع اللافتات.. وكفى، فالقرآن الكريم قبل ألف وأربعمائة سنة تكلم عن هذه الأزمة، وعن حلها كذلك..

قال تعالى: ﴿ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا ( 4 ) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا ( 5 ) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ( 6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ( 7 ) ﴾ الإسراء: 4 – 5 – 6 -7

فتكلم الله عن إفساد بني إسرائيل العظيم في الأرض، وأن كيانها لن يزول حتى يكتمل فسادها.. وأن الله عز وجل نصر أمته التي حققت العبودية الخالصة لله سبحانه، وأعادوا فتح المسجد الأقصى كما فتحه الصحابة رضوان الله عليهم..

 

فواجبنا الحقيقي نحو المسجد الأقصى هو تحقيق العبودية لله، ومعناها التحرر من ربقة التبعية لغير الله.. فأمة لا تصنع ما تركب، ولا تنتج ما تلبس، ولا تقرر فيما تريد لم تحقق بعد العبودية لله..

فكما أن المسجد الحرام وجهة العبادة.. فإن المسجد الأقصى وجهة العبودية.

لذلك نجد أن الله تعالى استهل سورة الإسراء بوصف سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم بـالعبد: ﴿ سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ﴾، ثم عندما ذكر الفاتحين للمسجد الأقصى وصفهم بالعباد: ﴿ بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا ﴾

فخلاصة القول وزبدة الكلام: أن النصر مرتبط بإخلاص العبادة لله، وتخليص العباد من الاستبداد والاستعباد..

من أين نبدأ إذا أردنا أن نحرر المسجد الأقصى؟

الجواب على هذا السؤال مسطر في القرآن الكريم بأوجز العبارات، قال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ الرعد: 11

فربنا عز وجل جعل تغيير الوضع مرهونا بتغيير الحال، فإذا تغير حال الأمة تغير وضعها.. والتاريخ خير شاهد على هذه الحقيقة القرآنية، فالصحابة عندما تغير حالهم الجاهلي غير الله وضعهم من رعاة للإبل والغنم إلى قادة للدول والأمم في مدة لا تساوي في حساب التاريخ شيئا على الإطلاق.. وكتبت أسماؤهم على أضخم الصروح العلمية والأدبية..

فإذا تغير حال الأمة من السلبية إلى الإيجابية، من الكسل إلى العمل، من الجهل إلى العلم، من الانهزامية إلى الطموح، من التواكل إلى التوكل، من الذل إلى العز، من الخوف إلى الشجاعة.. سيغير الله وضعها من مؤخرة الأمم إلى القيادة.. من التسول على موائد التقدم العلمي والتكنولوجي.. إلى الإنتاج والإبداع والنجاح.. فحقيقة النصر في فلسفة الإسلام تأتي من داخل الكيان المجتمعي وليس من خارجه.

ثم قال سبحانه في آية أخرى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ محمد: 7

فاشترط الله سبحانه وتعالى على المؤمنين نصره كي ينالوا نصرته.. لكن كيف ننصر الله؟

نصر الله يكون بنصرة دينه، وذلك بأن نكون قدوة للعالمين في سلوكاتنا، وإبلاغ دينه القويم للناس بالحكمة والرحمة، تأسيا بالأسلوب المحمدي الرؤوف الرحيم، والعمل على إعمار الأرض ونفع العباد والبلاد.

فإذا علمت الأمة هذا هكذا، وضعت قدمها في أول الطريق نحو النصر والتمكين.

3 تعليق

avatar

موضوع قيم.بارك الله فيكم

رد
avatar

مقال رائع ألهب الحماس فينا كعادته الأستاذ أيوب تألق بصنيع منهجي قل نظيره

رد
avatar

لماذا الاسترفنكح لا يعتبر من الانترفنتس

رد

728x90