في عالم السياسة الدولية،
الأحداث لا تُقاس بالأفعال الفردية وحدها، بل بالمعادلات الخفية للمصالح والتحالفات
التي تحكم القوى الكبرى. قصة نيكولا ساركوزي، الرئيس الفرنسي السابق، تمثل مثالاً صارخاً
على كيف يصبح السياسي الماهر أداة تُستغل ثم تُلقى في حظيرة العدالة الرسمية عندما
تنتهي فائدته.
فــ "ساركوزي"
لم يكن رئيساً عادياً؛ كان لاعباً مركزياً في الشرق الأوسط. استغل الملفات الليبية،
التي شملت تمويل الحملات الانتخابية والصفقات المالية غير المباشرة، لتعزيز نفوذ فرنسا
وتحقيق مصالحه الشخصية. لم يقتصر تأثيره على العلاقات الثنائية، بل شمل تحالفات استراتيجية
مع دول الخليج، والتي كانت بدورها محور دعم سياسي واقتصادي للوجود الفرنسي في المنطقة.
وخلال فترة رئاسته، بنى
ساركوزي شبكة علاقات مع قوى محلية وإقليمية ودولية، تشمل ليبيا، السعودية، وأطراف غربية
كإسرائيل والولايات المتحدة. هذه الشبكة كانت تتيح له الوصول إلى المعلومات، النفوذ
السياسي، وتسهيل صفقات استراتيجية لصالح فرنسا، لكنها في نفس الوقت وضعت عبئاً سياسياً
على كتفيه، إذ أصبح مرتبطاً بالملفات الحساسة التي يمكن أن تتحول ضده إذا تغيرت الموازين
الدولية.
أما نهاية القذافي فكانت
المأساة الكاشفة للعبة السياسية المحرمة. لم يُحاكم، ولم يُنفَ، و لم يتمكن من الهروب.. بل قُتل بوحشية.. لماذا؟ لأن القذافي كشف المستور، فكان جزاؤه التصفية المباشرة و الآنية، فيما
ساركوزي — الذي عرف اللعبة وعمل ضمن حدودها — أصبح كبش فداء يُقدَّم للعامة كمثال للعدالة،
رغم أن أغلب مصالحه وخفاياه بقيت مخفية.
فمحاكمة ساركوزي جاءت لتضعه
في السجن بناءً على أدلة غير مباشرة تثبت نية وسلوك إجرامي، وليس على تحويل الأموال
المباشر. هكذا، أصبح أمام الناس واجهة رسمية لتطبيق القانون، بينما الحقيقة السياسية
العميقة بقيت محمية خلف الستار، لتوضح مرة أخرى أن القانون أحياناً يُستعمل كأداة لإدارة
اللعبة السياسية وليس لتطبيق العدالة الحقيقية.
فقضية ساركوزي والقذافي
تبرز الفرق بين الظاهر والباطن في السياسة الدولية:
• القانون
والعدالة الظاهرة: واجهة للجمهور، تستخدم لتصوير الأمور بشكل "منصف".
• الواقع
السياسي الخفي: مصالح، صفقات، وخطط تحكم نتائج الأحداث، تحدد من يبقى حياً سياسياً
ومن يُضحى به كبش فداء.
إجمالاً، ما حدث للقذافي وساركوزي يظهر أن اللعبة السياسية الدولية تتطلب مهارة، ووعي بالتحالفات، وفهم لخطوط النفوذ، وأن أي شخص يخرج عن القواعد المرسومة سيجد نهايته، سواء بالقتل المباشر أو بالسجن الرسمي كبش فداء
#إبداعات وآراء #دراسات
