من الأحاديث التي طال حولها الجدل قول النبي ﷺ: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن." فكثير من الناس أساؤوا فهمه، فاختزلوه في انتقاص للمرأة أو تبخيس لقدرها، مع أن سياقه وشرحه عند أهل العلم ينفي ذلك، بل يبرزه في صورة حكمة بالغة.
أولًا: معنى "نقصان العقل" في ضوء الشرح الشرعي
اتفق المفسرون والشارحون أن المقصود بـ "نقصان العقل" ليس ضعف الذكاء ولا انعدام الإدراك، وإنما هو النقصان النسبي في بعض المواطن التشريعية، وعلى رأسها الشهادة، حيث جعل الله شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل واحد. وبيّنوا أن السبب في ذلك هو أن المرأة قد تضل، أي تميل عن الحق أو تنسى، فتحتاج أختها لتذكيرها.
وهذا الميل أو الضلال لا يقدح في إنسانية المرأة ولا في عقلها، بل هو وصف طبيعي راعى فيه الشرع خصوصية التكوين النفسي والعاطفي لديها. ثم إن هذا النقصان جاء في مجال مخصوص (المعاملات المالية الصارمة)، لا في عموم مجالات الحياة، بدليل أن المرأة قد تبلغ في الفطنة والعلم ما لا يبلغه كثير من الرجال.
ثانيًا: دلالة كلمة تضل
من الدقة القرآنية أن النص لم يقل: "تنسى إحداهما"، وإنما قال: "تضل". والضلال في لسان العرب أوسع من النسيان، فهو يشمل الميل عن الصواب بسبب الغفلة أو التأثر أو حتى العاطفة. ومن هنا يظهر وجه الحكمة: أن المرأة، بما جُبلت عليه من رقّة وإحساس، قد تضعف أمام ضغط الموقف أو رهبة المجلس، فتأتي أخرى تذكّرها بالله وبالحق لتثبتها على الجادة.
ثالثًا: التفسير العلمي الحديث
العلم الحديث يكشف اليوم أن وراء هذه الفروق الطبيعية أساسًا بيولوجيًا هرمونيًا:
•هرمون الإستروجين: هو الغالب عند المرأة، وهو المسؤول عن رقتها العاطفية، وحنانها، ورغبتها في الأمان والاستقرار. لكنه أيضًا يجعلها أكثر إدخالًا للعاطفة في القرارات، وأكثر تحفظًا أمام المخاطر.
•هرمون التيستوستيرون: يغلب عند الرجل، وهو المسؤول عن القوة العضلية، الحسم، الجرأة، والقدرة على المجازفة. هذا الهرمون يعطي الرجل استعدادًا أكبر لاتخاذ القرار في المواقف الصعبة، بعيدًا عن التأثر العاطفي.
إذن، "نقصان العقل" الذي أشار إليه الحديث لا يُفهم على أنه ضعف إدراكي، بل يمكن قراءته اليوم كإشارة إلى ضعف جانب الحسم والجرأة المرتبط بقلة التيستوستيرون عند المرأة، في مقابل قوة جانب العاطفة الذي زادها الله فيه. فهي لم تُنقص مطلقًا، بل نُقصت في جانب وزِيدت في آخر، لتتكامل مع الرجل.
رابعًا: التكامل بين العقل والعاطفة
هذا التوزيع الإلهي ليس انتقاصًا، وإنما هو تكامل بديع:
•الرجل: يغلب عنده الحسم والجرأة.
•المرأة: يغلب عندها العاطفة والرحمة.
وبهذا يلتقيان: الرجل يحسم، والمرأة توازن بعاطفتها، فلا يطغى العقل المجرّد فيقسو، ولا تطغى العاطفة فتغفل عن العواقب.
خلاصة القول و زبدة الكلام
الشرع لم يأت لينتقص من المرأة، وإنما ليضع كلًّا في مكانه الذي خُلق له. والعلم الحديث، بما كشفه من أسرار الهرمونات والدماغ، يضيء لنا اليوم بُعدًا آخر من حكمة التشريع. فالمرأة ناقصة عقل بمعنى أنها ناقصة تيستوستيرون، لا بمعنى أنها ناقصة فكر أو ذكاء، وزيادتها في الإستروجين جعلتها أغزر عاطفة وأعظم حنانًا، لتكون بذلك سكنًا ورحمة.
وهكذا يلتقي البيان النبوي مع الاكتشاف العلمي، في رسم صورة بديعة للإنسان: ذكر وأنثى، عقل وعاطفة، حسم ورحمة، ليبقى كل منهما مرآة تكمل الأخرى، ويصدق قول الله تعالى:
#إسلاميات﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾(الروم:21)