طه عبد الرحمن (مواليد 1944 بالمغرب) يُعد
من أبرز الفلاسفة العرب المعاصرين في مجالات المنطق، وفلسفة اللغة، وفلسفة الأخلاق،
مؤيّداً لعددية الحداثات، ومخلصاً لإرساء حداثة إسلامية أخلاقية عبر البناء على التقاليد
والقيم الإسلامية.
منهجه يتميز بالتكامل بين التحليل المنطقي
واستنطاق اللغة ضمن أفق تجارب صوفية، مع توظيف المفاهيم الغربية الحديثة ضمن إطار أخلاقي–ديني
عميق.
الأخلاق في قلب الفلسفة
يرى طه أن الأخلاق ليست مجرّد ترف نظري،
بل أساس الفعل والفلسفة، وهي نابع من وعي بحسن وقبح الفعل، لا فصل بين الفكر والعمل.
ويربط فلسفته بالأخلاق والفكر الصوفي، مؤكدًا
أن “ليس في المنطق فقط تجريد، بل فيه أخلاق”، وأنّ “الفيلسوف الحقيقي أخلاقي بطبعه”
الموقف من الحداثة والعلمانية
غيّر عبد الرحمن العلاقة التقليدية بين
العقل والدين، عبر تأكيد أن فصل الأخلاق عن الدين يُفضي إلى أزمة أخلاقية حادة، وأن
"الأخلاق العلمانية" هي في جوهرها علمنة لأخلاق دينية.
ومن هذا المنظور، انتقد أيضاً العلمانية
باعتبارها مرحلة "دهرانية" متقدمة تعمل على استبدال الأخلاق بهندسة دنيا
قابلة للتغيير حسب نزوات السلطة.
النقد الأخلاقي للحداثة الغربية
من أهم كتبه في هذا الإطار: “سؤال الأخلاق"،
و “بؤس الدهرانية"، حيث ينتقد منطق الاستعلاء على الطبيعة والسيطرة التكنولوجية
الذي أنتج أزمة أخلاقية وفقدان المسؤولية الأخلاقية الهادفة.
يرى أن العقلانية الغربية تركّز على التحكم
والتنبؤ، لكنها تفتقر إلى الانضباط الأخلاقي الناتج عن التجلّي الديني – ولهذا يرفض
مقولات مثل النظرية القائمة على التواصل أو المسؤولية الفردية دون "تخلق وتعبّد"
.
نقاط التقاطع مع فلاسفة الأخلاق الغربيين
- كانط:
عبد الرحمن يعترف بأهمية "طريق المبادلة"
عند كانط، لكنه يؤكد أن هذا الطريق يُفقد الأخلاق عمقها الديني؛ فالعقل المطلق لا يكفي
دون علاقة بوحي وتعالي أخلاقي فوقي.
- هايدغر
وهانز يوناس:
يشاطر هانس يوناس الاهتمام بالمسؤولية المستقبلية،
لكنه يرفض أن تعتمد على لاهوت مسيحي؛ فهو يرى أن المسؤولية ينبغي أن تنبع من رؤية نهايات
أخروية دينية.
- ديكارت
ورسل:
يلتقي معهم في إدراك حدود العقل، ولكنهم
عنده بقيود إذا لم يستندوا إلى منبع أخلاقي–صوفي، وهذا يعد خروجًا عن رؤية العقلانية
الغربية الضيقة.
نقاط الاختلاف الجوهرية
- مع كانط: بينما كاتب "نقد العقل العملي" يؤسس الأخلاق على العقل، يُصر عبد الرحمن على ربطها بالدين والصوفية، رافضًا فصل الأمر الأخلاقي عن الوحي.
- مع الليبرالية الغربية والعلمانية: يرفض أخلاقًا تُحدد ذاتيًا وفق الصالح والحرية المطلقة بلا معيار منبع، معتبرًا هذا "شرودًا أخلاقيًا" يُفضي إلى التفكيك الاجتماعي .
- مع مفكّرين مثل روسو: يختلف عنه عندما يحسب أن روسو أعطى قداسة للضمير وتقوية الدين الطبيعي، في حين يرى ناقدون أن موقفه من الدين أعمق وأكثر مؤدلجة.
البناء منهجيًا
يبتكر ما سمّاه "نظرية التعبّد"
التي تجمع ما بين:
التخلق → حكمة مؤيدة
التعرف → بصيرة مسددة
هذا الإطار يعد بديلًا لمنهجيات الأخلاق
الحديثة التي تغيب معيار التخلق–التعرف، وتقع في فخ الأخلاق العلمية–التقنية التسلطية
الخلاصة: مساهمة رائدة في فلسفة الأخلاق
طه عبد الرحمن يقدم فكرًا أخلاقيًا – إسلاميًا
خالصًا يراكم على التراث اللغوي والفلسفي الإسلامي، مع اقتطاف عناصر مدنية من الحداثة
الغربية.
يعيد صياغة فلسفة الأخلاق عبر:
- استعادة البُعد الديني والصوفي.
- نقد العقلانية الحديثة لعجزها عن بناء منظومة أخلاقية متوازنة.
- تقديم رؤية تأصيليّة تجمع بين العقل المنطقي والتخلق الإيماني.
في الختام
يتراءى طه عبد الرحمن في هذا الإطار على أنه مفكر حداثي - اسلامي لا يهاجم الحداثة بالسلب، بل يتملّكها عبر ترسيخ معيار أخلاقي ديني صوفي، مؤكدًا على أن الأخلاق لا تقاس إلا بمنبعها الديني العملي
#إبداعات وآراء